تصحيح الرواتــــــب والأجـــــور فــي حســابات تحســين الوضـــع المعيشــــي

2022-09-27 09:01:55

في كل المناسبات تتحدث الحكومة عن تحسين الوضع المعيشي للمواطن من خلال عدد من السيناريوهات في ظل تدهور القوة الشرائية وارتفاع الأسعار الكبير وتدني الأجور والرواتب.
وأحد السيناريوهات التي كثر الحديث عنها يأتي موضوع تصحيح الرواتب والأجور كحل جذري لردم الهوة السحيقة بين الأجور والأسعار، والتي تزداد بشكل كبير يوماً بعد يوم، فالجميع يتحدث عن ضرورة زيادة الرواتب والأجور بنسب مختلفة مرتفعة لتحسين الوضع المعيشي للمواطن، لكن بالمقابل التصريحات الحكومية تفيد بعدم القدرة على تلك الزيادة والبحث عن طرق أخرى من خلال المتممات التي تحدثت عنها مطولاً، وترجمت مؤخراً من خلال المرسوم 252 المتضمن النظام النموذجي للتحفيز الوظيفي للعاملين في الجهات العامة.
لفترة آنية
يقول الدكتور علي كنعان نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق إن سياسة الرواتب والأجور هي من السياسات العالمية المتعارف عليها والتي تأخذ بعين الاعتبار تكاليف مستوى المعيشة، وبناء عليها يمكن تحديد الأجر، وهذا الإجراء تأخذ به جميع دول العالم ولا يستطيع أحد أن يعارض هذا التوجه، خاصة وأن هنالك دولاً تعاني من صعوبات ومشاكل لاسيما عندما ينخفض لديها مستوى الأجر الحقيقي، ما يضطرها إلى التعديل من خلال الحوافز وزيادة المساعدات أو ما شابه ذلك، لكن ذلك يجب أن يكون لفترة آنية، ويجب أن تعود مباشرة بعد انتهاء هذه الفترة إلى العمل الصحيح وهو إجراء مقارنة بين تكاليف المعيشة وبين الأجر.
ويضيف أن هجرة العمالة والكفاءات بحثاً عن أجور أفضل أو لتحسين وضعها الاجتماعي أثَّر على الإنتاجية في الاقتصاد الوطني فالعامل الذي بقي، إنتاجيته أقل من الذي غادر، وهذا يؤثر على القيمة المضافة بالاقتصاد الوطني ويخفض مستوى الإنتاجية مع تدني مستوى السلع والخدمات المنتجة وانخفاض جودتها، وبالتالي لا تستطيع المنافسة في الأسواق المحلية أو الدولية.
اختلالات وتشوهات
من جانبه الدكتور حسن حزوري أستاذ الاقتصاد بجامعة حلب يوضح أن حصة الرواتب والأجور من الدخل بتكلفة عوامل الإنتاج كانت في الماضي تزيد عن 40%، بينما هي حالياً لا تتجاوز 10% في أحسن الحالات، وهذا مؤشر على سوء توزيع الدخل أولاً، وعلى أن الأجر الذي يتقاضاه الموظف أو العامل غير عادل، وخاصة من يعمل في القطاع العام الاقتصادي أو الإداري.
ويضيف: أنّ بنية الأجور حالياً تعاني من اختلالات وتشوّهات في أكثر من صعيد، مما أسهم في تراجع الطبقة الوسطى، لذلك يرى أن مسؤولية النجاح في تحسين مستوى المعيشة، أو ردم الهوة القائمة بين الرواتب والأجور من جهة والأسعار من جهة أخرى، هي مسؤولية مشتركة بين الحكومة ومجلس الشعب والمجتمع ومنظماته الأهلية والمهنية وأحزابه السياسية.
3 محاور
وبحسب الدكتور حزوري فإن تحسين الدخل أو القوة الشرائية وردم الهوة بين الدخل والأسعار لن يتم إلا من خلال ثلاثة محاور أساسية:
الأول: يحتاج إلى اعتماد سياسة تدعم الإنتاج وتخفض التكاليف بدلاً من السياسة الريعية المهيمنة حالياً، أي تشجع الإنتاج الزراعي والصناعي والحرفي، مع التركيز على الزراعة كونها القادرة على تأمين متطلبات المعيشة الأساسية وتحقيق الأمن الغذائي، ويتطلب ذلك مواصلة تعديل قرارات السياسة النقدية لكبح جماح التضخم واستقرار سعر الصرف، فالمطلوب حرية حركة الأموال في الداخل وتوفير السيولة للمؤســسات والشركات كي تتمكن من الاستثمار ومن تعزيز أوضاعها، وخلق فرص عمل وتوظيف عاملين جدد، وتحسين أوضاع الموظفين الموجودين، فخفض نسبة الفوائد وانتهاج سياسة نقدية جديدة، تعزّز الاستثمار وتوفّر فرص العمل، ما يؤدي إلى إعادة إنعاش الطبقة الوسطى. كما لا بد من تحرير سعر الصرف وشراء الحوالات الواردة بسعر عادل، يستفيد منه المصرف المركزي، والتي تقدر بأكثر من 7 مليون دولار يومياً، ويستفيد منه المواطن الذي سيحصل على القيمة الحقيقية للحوالات الواردة، وأيضا سيشجع ذلك على دخول الاستثمارات الجديدة.
كذلك لا بدّ من اعتماد الضريبة الموحدة على الدخل بغية التأسيس لعدالة اجتماعية والتخفيف من الاعتماد على الضرائب غير المباشرة التي تصيب الجميع وخاصة ذوي الدخل المحدود والفقراء منهم.
أما المحور الثاني فهو من خلال رفع كفاءة الإنفاق العام لمحاربة الهدر والفساد، وضبط الهدر في الإنفاق الحكومي الجاري، وتوجيه المبالغ الموفرة من ذلك لزيادة الرواتب والأجور، وخاصة الوفورات الناتجة عن رفع الدعم بكل أشكاله عن عدد كبير من الشرائح، كون الدعم بوضعه الحالي فيه نسبة كبيرة من الفساد المباشر وغير المباشر، أو تحويله إلى دعم نقدي.
بالمقابل فإن المحور الثالث الذي يجب العمل عليه يكون من خلال تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار، والسماح لأكبر عدد من المستوردين أو المنتجين بالدخول إلى السوق من دون عقبات أو شروط تعجيزية، وعدم احتكار الاستيراد على عدد محدد من المستوردين، مما سيؤدي إلى توفر السلع بشكل كبير مما سينعكس إيجابياً على الأسعار، وبالتالي رفع القوة الشرائية للمواطنين وبمعنى آخر زيادة الدخل.
وبالعودة إلى الدكتور كنعان الذي يرى أنه لابد من تصويب العلاقة بين الأجور ومستوى المعيشة لكي نحافظ على الكفاءات الموجودة والعمالة لنستطيع أن ننتج بدلا من أن نستورد .
هذه العلاقة تحتاج التصحيح من الحكومة مجتمعة ولا يجوز أن تترك لوزارة دون أخرى فوزارة المالية تهتم بالجباية لتأمين الإنفاق الأفضل وبحسب كنعان يجب أن تقوم الحكومة بطبع العملة حتى لو أدى ذلك إلى تضخم لأن تشويه العلاقة بين الأجور والأسعار آثاره الاجتماعية والاقتصادية أكثرمن طباعة العملة .
وأضاف أن السياسات النقدية هي من تقوم بامتصاص هذا الفائض التضخمي عبر سندات خزينة أوعبر رفع سعر الفائدة للمصارف أومنح القروض ، وحتى السياسة المالية عندها عدد من الوسائل تستطيع من خلالها تخفيض التضخم لكن تصحيح العلاقة بين الأجور والأسعار هي قاعدة الاقتصاد على أهمية تصحيح العلاقة عبر الحوافز.

ميساء العلي - صحيفة الثورة

#شارك