الليبرالية الجديدة.. تزايد ثروات أثرياء الغرب على حساب الشعوب المضطهدة

2020-12-29 19:34:23

في كتابه “موجز تاريخي لليبرالية الجديدة”, يُعرِّف المنظر البريطاني ديفيد هارفي “النيوليبرالية” بأنها “نظرية في ممارسات الاقتصاد السياسي، تفترض أن أفضل وسيلة لتعزيز سعادة الإنسان ورخائه تكمن في إطلاق حريات الفرد ومهاراته في القيام بمشاريعه وأعماله، ضمن إطار مؤسساتي يتصف بحقوق قوية للملكية الخاصة والأسواق والتجارة الحرة.”

أما دور الدولة, حسب هارفي, فيتمثل “في خلق هذا الإطار المؤسساتي والحفاظ عليه بما يلائم هكذا ممارسات، فيتعين على الدولة مثلاً أن تضمن جودة ونزاهة النقد، وعلى الدولة أيضاً أن تنشئ الهيكليات والوظائف العسكرية والدفاعية والشرطية والقانونية اللازمة لتأمين الحقوق الملكية الخاصة، وأن تضمن -بالقوة إن لزم الأمر- عمل الأسواق بالشكل الصحيح الملائم”.

وتعد “الليبرالية الجديدة” أو “النيوليبرالية”, بأنها آخر أطوار الليبرالية الكلاسيكية، وهي النموذج الذي تبنته المنظمات الاقتصادية الدولية, كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية, وكذلك معظم الدول الصناعية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما في ظل نظام القطب الواحد, بعد تفكك الاتحاد السوفييتي, وقد أصبح صوت هذا الاتجاه هو المرتفع لتبني التجارة العالمية ووضع نماذج غير مألوفة للحريات الشخصية والمجتمعية, وظهور التيارات الشعبوية في أوروبا وأمريكا بشكل متزايد.

فعلى الصعيد الاقتصادي تبنت الدول الغربية سياسة الانفتاح الاقتصادي والتجاري والاستثماري داخل أراضيها، ما نتج عنها مضاعفة الدخل قرابة أربعة أضعاف, ولكن هذه المضاعفة جاءت إما بقيمة دفترية، أو أنها لم تهبط إلى الطبقات الأدنى، فظلت معلقة لصالح الطبقات الغنية. أما خارج أراضيها فقد تبنت تلك الدول سياسة الحصار والعقوبات والابتزاز والحروب الاقتصادية بحق الدول المناوئة والرافضة لسياسة الهيمنة الغربية.

أما سياسياً، فقد شهدت بعض الدول الغربية انتشاراً للتيار الشعبوي, وقد ظهر هذا التيار بشكل جلي مؤخراً في فترة حكم الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، ويتخذ “الزعيم الشعبوي” قراراته على أساس مصلحة انتخابية ضيقة وأيديولوجية متشددة، وليس على أساس سياسات سليمة على المدى المتوسط والطويل.

وهكذا عرفت أمريكا وبعض الدول الأوروبية صعود حركات علنية تجاهر بكراهية الغريب والمهاجر واللاجئ، بل قد اكتسبت أرضية انتخابية كبيرة من وراء هذه الشعارات.

أخيراً وعلى المستوى الاجتماعي، شهدت الكثير من دول “الليبرالية الجديدة”، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا, العديد من دعوات الحريات المجتمعية والحريات الشخصية التي كانت مرفوضة قبل فترة ليست بعيدة, ومنها “حرية الميول الجنسية وحرية التعبير وحرية المعتقد”, حيث برزت أخيراً وتحت مسمى “حرية التعبير” العديد من الفبركات والإساءات المتعمدة تجاه الأديان وعلى الأخص الدين الإسلامي, تمثلت بعض تلك الإساءات بالرسوم المسيئة للنبي محمد (ص), وما تبعها من أحداث عنف بحق الجاليات المسلمة في أوروبا وعلى الأخص في فرنسا مؤخراً.

لقد هيمنت “الليبرالية الجديدة” ومنطق “اقتصاد السوق” المتجرد من الاعتبارات المجتمعية والإنسانية والباحث على الدوام عن مواطن العمالة الرخيصة على سياسات الغرب المتوحش، ما دفعه لإشعال الحروب الاقتصادية والعسكرية في غير منطقة من العالم بغية تحقيق المزيد من الهيمنة على مقدرات العالم خدمة لأرباب وأصحاب شركات التصنيع العسكري والفئات المتنفذة في الولايات المتحدة وأوروبا, واليوم تهيمن قضايا الهجرة واللجوء التي يصدّرها اليمين المتطرف “كأصل كل الأزمات” على الفضاء العام ما يؤكد حتمية تراجع الثقة في تلك الدول التي تدعي “العدالة الاجتماعية والقيم الإنسانية” في مواجهة النزعات القومية والعنصرية.

سامر اللمع

#شارك