11177 H 27500
قناة نور الشام... رؤية وهويّة
قُرابةَ ستّة عقود من الزمن والشاشة السوريّة الصغيرة تشغل مساحة من الضوء على امتداد أفق الوطن، تنهض في مهمّة التنوير الاجتماعيّ والثقافيّ والسياسيّ، وفي سائر مناحي الحياة، وكما يولد الضوء من الضوء، انبثقت قناة نور الشام من مشكاة التلفزيون العربيّ السوريّ؛ لتؤدّيَ مهمّةً أكثر تخصّصيّة في عصر يتطلّب تحديد الهوّيّة الواضحة لكلّ وسيلة إعلاميّة.
تعود فكرة إنشاء قناة نور الشام إلى حقبة ما قبل الحرب الكونيّة التي شنّت سورية، حيث كان الفضاء العربيّ مفتوحاً للإعلام المسموم الناطق بلسان الضاد زوراً وبهتاناً، والذي اتّضح ارتباطه المباشر بعد هذه الحرب بالاستخبارات الإمبرياليّة والصهيونيّة المعادية لوحدة أمّتنا العربيّة وقوّتها ومنعتها، بعد عمله الدؤوب على التفرقة وتمزيق الصفوف وإثارة النعرات الطائفيّة والمذهبيّة في جميع اشتغالاته البرامجيّة بشكل أو بآخر تحت ستار الحوار المفتوح والرأي والرأي الآخر والديمقراطيّة وحرّيّة التعبير، وهو ما كان زيفاً مكشوفاً بالأساس لدى المتنوّرين من أبناء أمّتنا، ومنهم الإمام الشهيد محمّد سعيد رمضان البوطيّ الذي سارع في بداية الحرب الظالمة على بلادنا لطلب تحويل مشروع قناة نور الشام من فكرة إلى واقع، وهو ما وجد صداه عند السيد رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد الذي أصدر توجيهه الكريم؛ لتستطع قناة نور الشام في سماء الفضاء الإعلاميّ العربيّ يوم الأوّل من شهر رمضان عام 1432هـ الموافق للأوّل من شهر آب عام 2011م.
وراحت القناة منذ انطلاقتها تواجه الفكر الظلاميّ التكفيريّ ومَنْ يقف وراءه من أعداء الأمّة بالنصوص الإيمانيّة الصحيحة، والحجّة العقليّة الراجحة، والمنطق السليم، والسماحة المعهودة عن علماء بلاد الشام، الذين كانوا ضيوف الرحمة على مائدة النور، جنباً إلى جنب مع النخب من جميع المشارب والاتّجاهات الفكريّة الخيّرة؛ لرصّ الصفوف، ومواجهة الإرهاب وداعميه، وتعزيز الوحدة الوطنيّة والتأكيد على وحدة جوهر الشرائع الإيمانيّة، وأهدافها السامية، ونبذ ما أُلصِق بها من بغضاء وكراهية تأباها الفطرة السليمة، والشرائع الحنيفة، وواكبت نور الشام انتصارات الجيش العربيّ السوريّ على امتداد التراب السوريّ المقدّس بالندوات الحواريّة المباشرة والمسجّلة، وبالعواجل والفواصل، والأناشيد والأغاني الوطنيّة، وكسائر وسائل الإعلام الوطنيّة السوريّة كانت قناة نور الشام شريكة في شرف التضحية كُرمى لعيون الوطن، ونال بعضٌ من عامليها وسام الشهادة.
وكان النبضُ القوميّ ولا يزال حاضراً في نور الشام، من خلال تمسّكها باللسان العربيّ المبين، وتأكيدها على الثوابت والحقوق العربيّة، وتبنّيها لفكر المقاومة, وكانت القضية الفلسطينية على رأس اهتمامات القناة من خلال الندوات المكرسة لهذه الغاية مع التغطيات لكل الفعاليّات والمهرجانات التي تعنى بفلسطين والقدس.
وتبنّت نور الشام خطاباً إنسانيّاً صادقاً يعبّر عن حقيقة أصحاب هذه الأرض الذين جُبِلتْ طينتهم على المحبّة، ويتماهى مع حقيقة الدين الحنيف الذي لا يحثّ أتباعه إلّا على الخير، وكان العنوانُ الذي انطلقت منه القناة في هذا المضمار قولَ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾ (سورة الحجرات) وحديثَ النبيّ صلّى الله عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه الطاهرين: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». رواه البخاريّ ومسلم.
ولم تقتصر قناة نور الشام على البرامج التي تصحّح المفاهيم الدينيّة المغلوطة، أو تعلّم الدين كما أنزله الله تعالى فحسب، بل أدرك القائمون عليها أنّ رسالتهم تمتدّ إلى جميع جوانب الحياة الإنسانيّة الفاضلة، فرفعوا شعار (نورُ الشام قناة الأسرة والمجتمع)، فكان للتربية والتعليم، والأدب والفنّ، والثقافة والاقتصاد، والسياسة والاجتماع حظٌّ وافرٌ من مساحة البثّ، وشغلت المرأة في القناة حيّزاً جيّداً سواء في طاقم العمل الذي يتكوّن معظم أفراده من النساء أم في الاشتغال البرامجيّ الموجّه للمرأة بشكلٍ خاصّ أو إليها وإلى شريكها الرجل بشكلٍ عامّ.
وحضرتِ الطفولةُ ببرامجها الهادفة التي تزرع القيم، وتؤسّس لبناء شباب يشيّد الحضارة من جديد، ويتمسّك بتراب الوطن، ويذود عن حياض الوطن، ويحمي حُرُماتها وثرواتها، ويكون زيناً لها في جميع المحافل والميادين.
واليوم تقف قناة نور الشام على عتبة دورة برامجيّة جديدة، فيها الكثير من التجديد شكلاً ومضموناً، مواكبةً منها لروح العصر، وذهنيّة الشبيبة الوقّادة، وما تتطلّبه مرحلة إعادة بناء الإنسان والعمران في سورية الحديثة، سورية العروبةِ والإيمان، سورية المدنيّةِ والحضارة، الوطن الذي خرج من رحم الأحزان معمّداً بدم الشهداء والجرحى وعرق المضحّين، مكلّلاً بانتصارات البواسل الميامين الذين يستحقّون من إعلامنا الوطنيّ حفظ أمانتهم الغالية بنبض الكلمة، ووهج الصورة، ومن خلفها بُعْدُ النظر ووضوحُ الرؤية.
ومن البرامج التي قدّمتها القناة بين أيدي مشاهديها ومستمعيها في الدورة البرامجيّة الجديدة: في الموسيقا العربيّة والإنشاد برنامج: أنغام وكلام، وفي الرسم: تشكيل، وفي الخطّ العربيّ: صرير القلم، وفي قضايا الشباب: منبر المشاهدين، وفي قضايا المرأة: شموع الحياة، وفي توعية الطفولة: حكايات جدّي، وفي المعلومة والترفيه: مسابقات نور الشام، وسهرة نور الشام، وفي الصحّة: غذاؤنا عافية، وفي متابعة الأمور المعيشيّة للمواطنين: مع الناس، وفي التراث والعمل: حرَف ومِهَن، وعلى صعيد الثقافة: جليس العقلاء، وفي الوحدة الوطنيّة والإنسانيّة حول ما يجمعنا إنسانيّاً وإيمانيّا: قيمُنا النبيلة، وحول الشهداء الذين شرّفوا تراب الأرض، وصانوا حرمة الإنسان: برّ ووفاء، وفي مجال الإرث النبويّ الشريف وتوعية الجمهور حول طريقة وصوله إلينا: رواة ورواية، وحول توثيق تجارب المفكّرين والمبدعين: بصمات إبداعيّة، بالإضافة إلى توجّه حثيث نحو الفواصل القصيرة التي تقدّم المعلومة بومضة سريعة ورشيقة، وتمنح مساحة البثّ حيويّة ونشاطاً وخفّة ظلّ.
وتسعى قناةُ نورِ الشام من خلالِ هذا التوجّه البرامجيّ الجديد إلى الارتقاء بالأداء الإعلاميّ المنفتح والمسؤول؛ اهتداءً بالرؤية الحكيمة للقيادة السياسيّة الوطنيّة، التي عبرت بالوطن من بين أعاصير العدوان إلى شاطئ الأمان، وتلبيةً لطموحاتٍ إعلاميّةٍ حضاريّة مشتركة، بين وزارة الإعلام التي تدير القناة، ووزارة الأوقاف التي تشرف على الجانب الشرعيّ في برامجها، وحفاظاً على ثقة جمهورها العريض في الوطن والمهجر، ومن جميع الأعراق والشعوب.