الموقع ودلالات الاسم: إنها بانياس وإن شئت نيرونياس أو مدينة الله لا ضير، فكل ما فيها يشي بالقداسة والجلال منذ العهود الإغريقية مرورا بالحقبتين الرومانية والإسلامية، ففيها اعترف بطرس أمام السيد المسيح، وفيها مقام الخضر، وعلى ترابها مر كل من الناصر صلاح الدين والملك الصالح نجم الدين أيوب والملك المظفر قطز الذي استردها من يد التتار. فبانياس الواقعة بين نهرين وجبل عند أقدام حرمون الغربية ذات الغابات الكثيفة، والتلال المرتفعة، كتل العزيزيات، والموقع الجغرافي المتحكم بالطرق التجارية لارتباطها بالمدن الكبرى عبر شبكة طرق هامة، جعل منها محط أنظار القوافل والفتوحات والجيوش، حيث يفصلها عن الحدود اللبنانية شمالا وادي العسل، ومن الشرق أراضي قريتي جباثا الزيت وعين قنية، ومن الجنوب عين فيت، أما غربا تقع إلى جانب مغر شبعا والمنطقة المجرّدة بينها وبين الحدود السورية والفلسطينية.
تحمل المدينة أكثر من اسم فهي نيرونياس وبانياس وقيصرية فيلبوس أو فيلبي. وتتقاطع معلومات المؤرخين بأنها أخذت الاسم من الإله الوثني «بان» وهو إله (الرعاة والغابات والحيوانات البرية والجبال عند الإغريق) وهي كذلك مدينة الله أو المدينة العظيمة، حيث كانت «بانياس» مدينة ذات شأن كبير، فقد أشاد فيها هيرودوس الكبير أمام مغارة بانياس معبدًا أطلق عليه اسم أغسطوس قيصر إلا أن بانياس لم تتقدم إلا في عهد ابنه فيليبس الذي أكمل بناءها وحسنها وجعلها عاصمة له ودعاها قيصرية فيلبي، أما الإمبراطور هيرودوس اغريباس الثاني فقد دعاها بـ (نيرونياس) إكراما للقيصر نيرون الذي زارها.
النشاط البشري في بانياس
نظرا لارتفاعها الذي بلغ1147 قدم عن سطح البحر ومساحتها البالغة عشرة آلاف دونم وغناها بالموارد المائية، حيث منها ينبع نهر بانياس الذي يتزود من نبعين، يقع الأول تحت معبد "بان" على ارتفاع /325/ م فوق سطح البحر وهو النبع الرئيسي. ويقع الثاني على بعد /600/م تقريباً من الأول ويطلق بعضهم عليه اسم "فامياس" أي بانياس. ويبلغ طوله /10/ كم من منبعه حتى اتحاده مع نهر "الدان"، ويسير في الجولان حوالي /1/كم، وتبلغ غزارته /3.5/ م3/ثا وعرض مجراه من /4-6/ م. يرفده من اليمين وادي "خشبة" بعد /300/ م تقريباً من نبعه ووادي "العسل" من شمال غرب تل "العزيزيات" بحوالي /900/ م. أما يسارا فيرفده وادي "السعار" بعد /500/ م تقريباً ويبلغ طوله ما بين 16-17كم، وفيه شلالا يحمل اسمه وهو من أهم شلالات الجولان يدعى شلال وادي سعار. كما أن نهر بانياس من أهم روافد نهر "الأردن" حيث يمده بـ /157/م.م3 سنوياً. وقد اشتق القدماء من النهر عدة قنوات لسقي الأرضي وهي: قناة سد الماء، المكلسة، رأس النبع، الجوزة، والسلطان ابراهيم. وعلى هذه القنوات أقيمت عدة طواحين. هذا بالإضافة الى قناة الخشبة التي غربي نبع بانياس، المشتقة من وادي خشبة الهابط من أنحاء جباثا الزيت.
نظرا لهذا الغنى المائي والموقع الممتد بين السهل والجبل جعلها أرضا مناسبة لظهور الغابات وأشجار البطم والسنديان ومختلف أنواع الأعشاب الطبية، ولا عجب إن رأينا فيها الغزلان والنمور والفهود وهذا ما أكدته رسائل المستكشفين أمثال روبنسون وبوركهارت. كذلك عرفت بانياس الزراعات الباكورية مما جعل المؤرخين العرب يدعونها بخزان دمشق، ففيها زراعة الخضار بأنواعها والكرمة والقمح، فالزراعة إلى جانب تربية المواشي هي النشاط البشري الأكثر ممارسة لسكانها الذين بلغ عددهم عام 1967ألف ومائة وخمس وعشرون نسمة.
آثار بانياس
شغلت بانياس بشكل خاص الرحالة العرب والأجانب على السواء، نظرا لآثارها الكثيفة والمتواترة وهي المعروفة عالميا بقيصرية فيليبوس، حيث عاصرت الأباطرة أمثال نيرون ومدرجها الروماني يشهد بذلك، إلى جانب الأعمدة والجداريات وبقايا الأديرة والكنائس والنقوش الرومانية والإسلامية، فكل من تملكها ترك فيها من حضارته الشيء الكثير.
قلعة الصبيبة
من أكبر وأجمل القلاع التي ما زالت قائمة منذ العصور الوسطى حتى يومنا هذا. بناها الملك العزيز عثمان بن الملك العادل الأيوبي فوق جبل شاهق المنحدرات. تبلغ مساحتها 33 دونما وتحيطها حديقة تبلغ مساحتها 195 دونما، ويتراوح عرضها بين 50-150 مترا أما طولها فيصل إلى 420 مترا. وترتفع نحو 815 م عن سطح البحر. يحيط بالقلعة أسوار منيعة تعلوها حصون وأبراج مراقبة وأقيمت داخل تلك الأسوار قلعة داخلية في الجهة الشرقية سكنها الحاكم وقلعة أخرى في الجهة الغربية.
و"الصُّبيبة"، لغةً بضم الصاد وفتح الباء، تصغير للصُّبَّة وهي جماعة من الخيل. حيث كانت العرب تطلق على القلاع والحصون في بعض الأحايين أسماء الخيل، مثل حصن الحَبيس الذي يقع الآن في جبال عجلون، والحبيس في اللغة هو الحصان الذي يوقفه أو يكرسه صاحبه للقتال في سبيل الله.
كهف بان
تشير الروايات أن السيد «المسيح» توجه في إحدى جولاته مع تلاميذه إلى "قيصرية فيلبي" حيث وقف أمام كهف «بان» العظيم الذي يخرج منه نبع الشريعة، وسلم رسوله "بطرس" مقاليد السلطة في الكنيسة، هذا الحدث المفصلي حدث على أرض الجولان ومن هنا تعد أرض الجولان أرضاً مقدسة ومقصداً للحجاج على خطا السيد "المسيح". ويذكر أن كهف "بان" قد تحول إلى مركز مهم منذ العصور الوسطى، فقد زاره معظم الحجاج الذين زاروا الشرق قبل الحروب الصليبية، كما أنه حظي باهتمام خاص في القرن التاسع عشر مع ظهور علم الآثار الكتابي. والجدير ذكره أن ما يقارب ربع مليون موقع يتناولون هذا الكهف بالبحث والتنقيب على شبكة الانترنت. ويحج إليه ما يقارب مئة ألف حاج مسيحي سنويا.
ومن آثارها كذلك قلعة بانياس وكهف بانياس المشهور بزيارة السيد المسيح إليه حيث سلم رسوله «بطرس» مقاليد السلطة في الكنيسة، وتتناثر فيها بقايا الآثار والأوابد التاريخية وقطع من الأعمدة والحجارة المنحوتة والمباني والدور السكنية والمعابد والطواحين ومعاصر الزيتون القديمة، حتى أنه في سنة 1953 حينما فكروا بتحويل نهر بانياس وبدؤوا يحفرون عثروا على نقوش بديعة ولوحات من الفسيفساء وفصوص خواتم على بعضها صور آلهة، منها ديانا آلهة الصيد، وعلى بعضها نقوش عربية وقطع أثرية كثيرة. كما عثر فيها على تمثال لأميرة بانياس. إضافة لوجود كنيسة ومسجد.
بانياس هذه القرية العربية السورية الجميلة التي حولها الكيان الغاصب إلى محمية طبيعية وموئلا للسياح من مختلف أنحاء العالم، ما زال يرتفع في وسطها منزل آل العرقاوي واضحا، وهو المبني على أنقاض قلعة أثرية، وما زال أهلوها يبكونها ويذكرون ليالي السمر، جاعلين منها الحكاية الأحلى للأولاد والأحفاد، فالعودة إلى سعارها وعسلها حق ويقين.
معركة تل العزيزيات من أولى عمليات الكوماندوس للجيش السوري ضد الصهاينة
شهد الجولان مواقع اشتباك كثيرة بين جنود الجيش العربي السوري والعدو الصهيوني منذ ما قبل عام 1967، ومن المواقع المهمة التي لا زال العدو ذاته يشهد بأهميتها وانكساره فيها موقعة تل العزيزيات. التي جرت في 1948 بعد إعلان الهدنة مع العدو الصهيوني الذي كان قد استولى على هذا التل، إلا أن كتيبة الفرسان الثانية مع كتيبة حرس الحدود الحدودية تجاهلت هذا الأمر وقامت بقتال عنيف حتى استرجعت هذا التل. بقيادة قائد الكتيبة جواد آنزور من الرقة- الذي استشهد في هذه المعركة مع 15 عشر جنديا وضابطا من الكتيبة من بينهم: علي نوح من القنيطرة - خير الدين محمد حاج باكير- موسى اسماعيل حاج طوالبه من حمص وأسعد مالك من رأس العين- أحمد صالح بيسلان من عين زيوان- ممدوح فاتح دوغوظ من المنصورة. ولم تكن تلك المعركة الأولى حيث عادت إسرائيل الكرة في الخمسينات وكانت النتيجة ذاتها، وعندما تم احتلال بانياس عام 1967 كان أو عمل هو ذهاب يغالون آيال إلى نبع بانياس مع عدد من جنود الاحتلال ثأرا لهزيمة جنوده.
وعن هذه المعركة جاء في مقالة لصحيفة "جوراليزم بوست": هكذا كان "المخربون" يدخلون من نقاط زراعية على الحدود السورية من تل العزيزيات ذلك الحصن السوري الشهير الذي أرعبنا طيلة عشرين سنة تقريبا.
طبعا المخربون تعني في مفهوم العدو هم أولئك المقاومون من الأهالي والجنود السوريين الأبطال.
إعداد وتوثيق: هدى مطر