في أقصى الجنوب السوري، وعند ملتقى الحدود السورية الأردنية الفلسطينية، تقع ناحية (البطيحة) التي أخذت اسمها من سهلها المنبطح المحاذي لنهر الأردن غربا، والمشاطئ شرقا لبحيرة طبرية. أما في الجنوب فتخاصره قرية النقيب الفلسطينية، فيما تعانقها أخواتها الجولانيات شمالا. والبطيجة مركز ناحية تتبع لمنطقة فيق، تضم إليها ما يقارب العشرين قرية ومزرعة من أهمها: (الكرسي وسكيك وبيت صيدا). يرويها نهرا مجرسة وزاكية، وتحتفي بها الكثير من الأودية وعيون المياه العذبة كـ(وادي السمك والصويرات والصفا وعين السخنة وأم اللجا)، لتغدو المنطقة الأكثر غنى بتنوع مزروعاتها وغاباتها.
أصل التسمية
تسمية (البطيحة) مأخوذة لغوياً من كلمة "البطائح" التي تتعرض لغمر المياه بشكل منتظم وقد أطلقها البلدانيون العرب خلال الفترة العباسية على المستنقعات ودعوها بالبطائح. المعاجم اللغوية العربية أرجعت الاسم إلى الأصل اللغوي، "تبطح" حيث يتبطح السيل اذا اتسع في البطحاء. ولـ "البطيحة والبطحاء" معنىً واحدا، ويسمى المكان (أبطح) لأن الماء ينبطح فيه أي يذهب يمينا وشمالا. و(البطح) هو الانبساط، وبه سميت البطيحة لانبساطها على وجه الأرض. وتنقسم أراضي البطيحة إلى قسمين، قسم سهلي منبسط هلالي الشكل طوله 12 كيلومتراً تقريبا. وقسم جبلي تنمو فيه الاشجار الحراجية بكثافة وكذلك الاشجار المثمرة.
ناحية البطيحة
بتاريخ 31-8 من عام 1964 تم إحداث محافظة القنيطرة انطلاقا من الاهمية الاستراتيجية للحدود الجنوبية الغربية المتاخمة لأرض فلسطين المحتلة. ونظرا للتكامل الاقتصادي بين منطقتي فيق التي كانت تتبع لمحافظة درعا، ومنطقة القنيطرة التي كانت تتبع لمحافظة دمشق، تم الجمع بين هاتين المنطقتين في وحدة إدارية واحدة من مرتبة محافظة حملت اسم القنيطرة، والتي تضم منطقتين وخمس نواحي. وفي هذا القرار تم تسمية البطيحة كمركز ناحية يتبع لمنطقة فيق..
وتضم ناحية البطيحة ما يقارب الثلاث والعشرين قرية ومزرعة منها:
(المحجار- تل الأعور- الحسينية خوخة- زيتا- الصباحية- الدردارة- دير عزيز- شقيف- غزيل قطوع الشيخ حسين الكرسي- المساكية- المسعدية- النقيب السورية وغيرها من القرى والمزارع كالطواحين والرفيد وعين عبدالله والقراعنة). وقد بلغ عدد سكان البطيحة حسب تعداد عام 1960، 9234 نسمة. وتبلغ مساحة ناحية البطيحة ما يقارب 54 كم2. و18كم تقريبا من هذه المساحة عبارة عن سهل ومسطحات مائية يقع هذا السهل تحت مستوى سطح البحر.
وسهل البطيحة من أغنى وأخصب المناطق، ووصفه البعض بأنه منجم ذهب لا مثيل له في بلاد الشام. وتؤكد المصادر أن هذا السهل قد شهد عددا من المشاريع لتوظيف إمكانياته المائية وشقت فيه العديد من القنوات منها: قناة "العفريتة" طولها 10 كم تروي الجزء الاوسط الجنوبي من السهل. قناتا "الرش" الفوقا والتحتا ترويان أرض القراعنة. قناة "الباشا" وتروي بيارات الحاصل. فيما قناة "البساتين" تروي أرض الذيابات. أما قناة "الشيدة" فتروي أراضي الجزء الشمالي بما يعادل ألفي دونم. يروي أراضي البطيحة نهر الأردن والذي يسمى في الجولان بنهر (الشريعة)، كما يمر في سهل البطيحة نهران هما "زاكية" والذي يعتبر تجمعا مائيا لوديان (حوا وزييتينان واليعربية)، ونهر "مجراس" والبعض يسميه (مجرسة) فهو تجمع لمياه واديي (البترا والصويرات).
سياحيا
تعتبر البطيحة من مناطق استقطاب الحج المسيحي خاصة قريتي الكرسي وبيت صيدا كذلك الميزات السياحية لبحيرة طبرية، وغناه بالأودية والمياه والأشجار الحراجية والآثار المتبقية في أكثر من موقع.
النشاط البشري
من الطبيعي أن يتأثر النشاط البشري للسكان بالطبيعة الجغرافية والمناخ السائد في المنطقة. وباعتبار أن البطيحة تتمتع بتنوع مناخي بارد في الشمال وحار في الجنوب، فقد تنوع النشاط البشري في هذه الناحية، وتعتبر الزراعة النشاط الأهم للسكان، ونسبة العاملين فيها كانت تقارب 63% عام 1966. كذلك تشتهر المنطقة تربية الحيوانات من الماعز والأغنام والجواميس، نظرا للخصب المتوفر. وقد ساعد الدفء المتوفر على إنتاج موسمين أو ثلاثة في العام، ومن أهم المزروعات الحبوب الصيفية والشتوية وزراعة الخضروات والذرة. وعرفت المنطقة زراعة الاشجار المثمرة في المرتفعات كالزيتون التي اشتهرت بإنتاجه قرى (الدردارة والمحجار والطواحين). أما الصناعة فقد احتلت المرتبة الأخيرة في النشاط البشري للسكان، واعتمدت على صناعة الادوات الزراعية والعربات الخشبية وطحن الحبوب وصناعة مشتقات الألبان. وفيها العديد من المطاحن المائية للحبوب عند مخارج الأنهار، ومنها طاحونة (أبو عيش والعقبي وأم الذبان). وعرفت أيضا صناعة البسط والحصر. كما عرفت البطيحة صناعة القوارب وشباك الصيد نظرا لغناها بالثروة السمكية.
إن موقع البطيحة المتميز عند ملتقى الحدود الأردنية الفلسطينية السورية، والغنى والتنوع جعل منها محطة للاعتداءات الصهيونية المتكررة ما قبل حرب 1967. وكأن الفكر الصهيوني يعاود الانتقام مرة أخرى من فكر السيد المسيح الذي عمد بخطاه هذه البقعة من الأرض يوم اجتمع مع حوارييه موفدا إياهم مبشرين بالمحبة والسلام في قرية الكرسي.. ويشهد على ذلك الغارة الكبرى عام 1955 ومجزرة الـ"دوكة". وكان الناجي الوحيد من هذه المجزرة في ذلك الوقت هو المجاهد في الحرس الوطني السوري سليمان محمود العلي". كذلك مجزرة "الدردارة" بآل الذيابات.
لقد تصدت البطيحة كغيرها من أخواتها الجولانيات لغزوات الصهاينة وردتها في أكثر من موقع كان أهمها ( التوافيق وتل النيرب والدوكة|، ورغم كل النضال والتصدي وبطولات أهلنا وتضحياتهم في هذه المنطقة، كان الاحتلال عام 1967، وتم بناء مستعمرة "راموت" بعد تدمير القرى والبيوت، وإجبار أهلها على النزوح إلى الداخل السوري، حيث يقارب عددهم اليوم الخمسين ألف نسمة، متوزعين على أكثر من تجمع للنازحين من أهمها تجمع الوافدين، الذي سطر أهله البطولات مجددا في التصدي لمحاولات الإرهاب التسلل إليه والتي باءت بالفشل.. نظرا لتمسك أهلنا بجذورهم وقوميتهم وعروبتهم.
إعداد وتوثيق: هدى مطر