الجولان... ويستمر النضال

2019-06-29 13:16:39

 في مؤتمر "بال" في سويسرا برئاسة "صموئيل  هرتزل"، عام (1897)، كان أحد أهم البنود التي نوقشت في المؤتمر بند الدعاية والتسويق لإقامة الكيان الصهيوني وعمل هذا الكيان منذ ذلك الوقت وبشكل حثيث على استخدام كافة وسائل الإعلام وشرائها وتأجيرها في كل أنحاء العالم لصالح مشروعه العنصري الاحتلالي. ولم يكن الجولان بغائب عن هذه الماكينة الإعلامية، فمن المهم ان نعلم أن الأطماع الـ"إسرائيلية"  في الجولان لم تكن وليدة لحظتها، أي إثر عدوان 1967.  ففكرة احتلال الجولان والاستيطان اليهودي فيه تعود إلى ما قبل تبلور مشروع الصهيونية السياسية في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة "بال" السويسرية عام 1897، والذي أقر إقامة ما سمي بـ "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين. فثمة دلائل كثيرة تؤكد أن احتلال الجولان لم يغب عن الفكر الصهيوني وكان بمثابة الحلم الحاضر الذي اشتغلت عليه هذه الحركة بطرق شتى.
فقد ورد ذكر الجولان  في كتاب لـ "أوليفانت" أحد زعماء الحركة الصهيونية صدر عام 1771 دعا فيه بشكل صريح لاحتلال جنوب سورية، وأرفق به خريطة تشمل المنطقة من غزة إلى جبيل ومن بعلبك مرورا بدمشق والجولان وحوران حتى طريق الحج.  كما بدأت الحركة الصهيونية محاولتها في اغتصاب موطئ  قدم لها في الجولان منذ عام/1887/ حين أنجزت إعداد خرائط للجولان وحوران حددت عليها أكثر من مئة موقع من بينها اثنا عشر موقعا اثريا ادعت أنها تضم رموزا يهودية.
تقول الوثائق والدراسات، أنه كانت هناك محاولة استيطان فاشلة في قرية "الرمثانية" عام (1884) بتشجيع من "اوليفانت" ذاته، باءت بالفشل نتيجة قيام سكان القرية البدو  لطرد اليهود الذين حاولوا استملاك (15) ألف دونماً من أراضيها. كما جاء ذكر الجولان في رواية لـ "هرتزل" تحمل عنوان "الأرض القديمة" عام 1920، وهذه الرواية عبارة عن صورة روائية لـ"إٍسرائيل الكبرى" التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط  إلى نهر الفرات شرقا وإلى بيروت وجبال لبنان وجبل الشيخ في اتجاه الشمال.
وفي عام 1918 رسم "ديفيد بن غوريون" تصوره لحدود كيانه الصهيوني الذي كان يعمل من أجل إنشائها على أن تضم النقب بكامله، ويهودا والسامرة وسنجق حوران وسنجق الكرك معان والعقبة وصولا إلى أقضية القنيطرة ووادي عنجر وحاصبيا.
عام (1919) وفي رسالة من "حاييم وايزمن" إلى مؤتمر الصلح يقول فيها: "إن الصهيونيين لن يقبلوا تحت أي ظروف خط "سايكس بيكو" حتى كأساس للتفاوض، لأن هذا الخط يقطع من فلسطين التاريخية منابع المياه التي تزود نهري الأردن والليطاني، ويحرم الوطن القومي بعض أجود حقول الاستيطان في الجولان وحوران التي يعتمد عليها إلى حد كبير في نجاح المشروع بأسره ".

في المذكرة الصهيونية العالمية التي قدمت إلى مؤتمر السلام في باريس (1919) وردت عبارة تقول بوضوح: "إن جبل الشيخ هو أبو المياه الحقيقي بالنسبة إلى فلسطين، ولا يمكن فصله عنها بدون إنزال ضربة جذرية بحياتها".
في عام (1921) كتب المؤلف الصهيوني الأمريكي "هوارس مييركالين" في كتابه المعنون باسم الصهيونية والسياسة العالمية: "إن مستقبل فلسطين بأكمله هو بأيدي الدولة التي تبسط سيطرتها على الليطاني واليرموك ومنابع نهر الأردن".
في آذار 1929 طلب "يتسحاق بن تسفي" ممثل حركة "الهستدروت" الصهيونية في القدس من المركز الزراعي الصهيوني تهيئة نواة شبابية للاستيطان في قرية "شكوم" والتي تطلق عليها الحركة الصهيونية "بنى يهودا"، حيث تعتبر هذه القرية بوابة سهل حوران.
في شباط (1929) أرسلت المنظمة الصهيونية العالمية مذكرة إلى مؤتمر السلام في باريس تحدثت فيها عن أهمية الجولان بالنسبة للمشروع الصهيوني ولـ "الدولة اليهودية" المزمع إنشاؤها. وفي عام (1955) كانت هناك غارة على شواطئ بحيرة طبرية، تبعها محاولة تحويل مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب عام 1956. هذا بعض ما أوردته الدراسات والأبحاث فيما يتعلق بالأطماع الصهيونية في الجولان العربي السوري، والذي وقع تحت سيطرة العدو إثر عدوان حزيران (1967).
الجولان ثائراً
 لكن، مخطئ من قال أن تاريخ العرب نكبة ونكسة، فدماء شهدائنا وبطولات رجالنا، هي الفيصل في كل مكان وزمان. فهذا المحتل لم يهدأ له بال منذ ان دنست قدماه هذه الأرض الطاهرة. فقبل نكسة حزيران، حمل أهل الجولان لواء الجهاد مع إخوتهم الفلسطينيين، وخاضوا معهم المعارك منذ عام 1948، أي منذ نكبة  فلسطين، ويشهد على ذلك معركة "تل العزيزيات".  فقد شهد الجولان مواقع اشتباك كثيرة بين جنود الجيش العربي السوري والعدو الصهيوني، ومن المواقع المهمة التي لا زال العدو ذاته يشهد بأهميتها وانكساره فيها موقعة "تل العزيزيات"... التي جرت في 1948 بعد إعلان الهدنة مع العدو الصهيوني الذي كان قد استولى على هذا التل، إلا أن كتيبة الفرسان الثانية مع كتيبة حرس الحدود، تجاهلت هذا الأمر وقامت بقتال عنيف حتى استرجعت هذا التل بقيادة  "جواد آنزور" من الرقة-  الذي استشهد في هذه المعركة مع 15 عشر جنديا وضابطا من بينهم: علي نوح من القنيطرة - خير الدين محمد حاج باكير- موسى اسماعيل حاج طوالبه من حمص وأسعد مالك من رأس العين- أحمد صالح بيسلان من عين زيوان- ممدوح فاتح دوغوظ من المنصورة. ولم تكن تلك المعركة الأولى حيث أعادت "إسرائيل" الكرة في الخمسينات وكانت النتيجة ذاتها، وعندما تم احتلال بانياس عام 1967 كان أول عمل قامت به قيادة العدو، هو ذهاب "يغالون آيال" إلى نبع بانياس مع عدد من جنود الاحتلال ثأرا  لهزيمة جنوده.

وعن هذه المعركة جاء في مقال لصحيفة "جوراليزم بوست": هكذا كان "المخربون" يدخلون من نقاط زراعية على الحدود السورية من تل العزيزيات ذلك الحصن السوري الشهير الذي أرعبنا طيلة عشرين سنة تقريبا"... طبعا المخربون تعني في مفهوم العدو هم أولئك المقاومون من الأهالي والجنود السوريين الأبطال.
مجازر العدو في الجولان
إن القتل والتمثيل بالضحايا والمجازر الجماعية والتهجير هي بعض من صفات هذا العدو العنصري، ولقد تجرع أهل الجولان من بطش هذا العدو ووحشيته ما تجرعه أهل دير ياسين وكفر قاسم. ومن المجازر التي ارتكبها في الجولان.
مجزرة الدوكة
من أولى المجازر التي ارتكبها برابرة القرن العشرين في الجولان وكانت صباح يوم 2/11/ 1955، في قرية "الدوكة" الواقعة في منطقة البطيحة، على ساحل بحيرة طبريا الشمالي الشرقي. وكان الهدف منها إدخال الرعب في قلوب الأهالي، التي يمتهن سكانها إضافة إلى الزراعة صيد السمك، وذلك لإبعاد السوريين عن مياه طبريا، لكي تكون بحيرة "إسرائيلية" خالصة، ومن ثم إبعاد الأهالي عن مساندة أخوتهم الفلسطينيين في مقاومتهم للاحتلال. فبعد أن انتهى القتلة من تنفيذ مجزرة مروعة في مخفر الكرسي إلى الجنوب من الدوكة، وبعد أن قصفوا القرى الأمامية القريبة من البحيرة مثل "شكوم وسكوفيا وفيق وكفر حارب"، دخلوا إلى قرية الدوكة، وجمعوا ما استطاعوا من أبناء القرية، واختاروا منهم مجموعة مكونة من عشرة أشخاص تسعة رجال وامرأة واحدة. وتماماً كما يفعل القتلة المدربون، أمروا الضحايا بالوقوف على نسق واحد على مرأى ومسمع أبناء القرية، ثم بدأوا بإطلاق النار عليهم من الخلف في ظهورهم، وسقط الشباب والفتية والمرأة الوحيدة مريم عوض الكريم، صرعى مضرجين بدمائهم الزكية الطاهرة، وقام قائد فرقة الإعدام الصهيونية بإطلاق (طلقة الخلاص) على رؤوس الضحايا، ومع ذلك نجا شابان أحدهما سليمان محمود العلي، الذي أصبح فيما بعد مختاراً لمخيم الوافدين وشاهداً حياً على هذه المجزرة التي ما تزال آثارها في جسده وعلى رأسه.
مجزرة سكوفيا
بعد مجزرة "الدوكة"، ارتكبت "إسرائيل" مجزرة بحق قرية "سكوفيا"، لا تقل بشاعة عن مجزرتي دير ياسين أو كفر قاسم في فلسطين المحتلة أو بحر البقر في مصر العربية، إذ قصفت طائرات العدو حياً سكنياً من أحياء القرية، ودمرته بالكامل على من كان فيه من النساء والأطفال والشيوخ، وبلغ عدد الضحايا 25 بين شهيد وجريح. وقد عانت سكوفيا، شأنها في ذلك شأن جميع قرى الجولان الأمامية،  في ذلك الزمن من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة،  فقد قُصفت عام 1948 مع قرية فيق بالطائرات، وراح ضحية ذلك عدد من الشهداء والجرحى، كما تعرضت لاعتداءات متكررة أثناء الغارة الإسرائيلية الكبرى على شاطئ طبريا الشرقي عام 1955، وقصفت أثناء معركة التوافيق الشهيرة عام 1960 وأثناء معركة  "تل النيرب" عام 1962.

الضربة الموجعة التي تلقتها هذه القرية فكانت مجزرة بشعة وقعت بتاريخ 7/ 4/ 1967، إذ أغارت طائرات إسرائيلية على حي سكني من أحياء القرية ودمرته بالكامل. وقد استشهد نتيجة هذا القصف 13 مدنياً وجرح آخرون، بينهم نساء وأطفال وشيوخ، والشهداء هم: مصطفى الهزاع- عبد الرحمن مطلق الفياض- علي عبد الله عبد الغني - حسين علي عبد الله عبد الغني- محمد أحمد الهزاع- محمد عبد الوهاب الرهبان- عيسى ذياب الحسن- مصطفى صلاح الحسن- عمر حسن العمران- محمد سالم الحسين- إبراهيم حسن الفياض- حكمت حسن صالح الفياض- صباح حسن صالح الفياض.
أما الجرحى فهم: -فياض كريم الفياض- عبد الكريم محمود الهلال- هاني مصطفى الهزاع- أحمد مطرود العلي- محمود عبد الغني المطلق- حافظ الدرغام- فواز عبد الله عبد الغني- خالد الصلاح- ناجية أحمد العلي- عائشة مصطفى الزعرور- حاجة البرهومي-محمد محمود الأسعد.
وبعد الاحتلال الإسرائيلي في 10 حزيران 1967 رفض أهالي "سكوفيا"، شأنهم شأن معظم أبناء الجولان، الرحيل عن قريتهم وأصروا على التشبث بترابها، وقد حاولت قوات الاحتلال إجلاءهم عنها بمختلف السبل، فهددتهم بالقتل لكنهم رفضوا الرحيل، وبعد أسبوع من الأخذ والرد، جمعت قوات الاحتلال 38 رجلاً وشاباً مدنياً من القرية، وأرادت أن تنفذ فيهم مجزرة، كي تجبر الأهالي على الفرار طالبين النجاة بأرواحهم وأرواح أطفالهم. ولكن مشكلة تقنية حالت دون تنفيذ المجزرة الثانية بحق أهالي "سكوفيا"، فاكتفت باعتقال الذين ساقتهم للإعدام، وقد أسروا في معتقل "عتليت" قرب حيفا وعوملوا أسوأ معاملة. وظلوا في الأسر عدة أشهر حتى خرجوا في عملية تبادل الأسرى التي تمت في ذلك الوقت.
أما العائلات التي أصرت على البقاء، فقد قامت قوات الاحتلال بحملها على الرحيل تحت تهديد السلاح.. ومع ذلك بقي رجل عجوز هناك يدعى أحمد التوهان، في العقد السادس من عمره، مصمماً على العيش وحيداً في قريته مهما كانت النتيجة. وبعد سنوات عديدة، أبعدت قوات الاحتلال هذا العجوز من القرية مرتين بسبب إيوائه الفدائيين في غرفته، ولكن كان يعود إلى القرية متحدياً المحتلين، الذين عذبوه في آخر مرة تعذيباً وحشياً أدى إلى وفاته.
مجزرة الدردارة
وقعت هذه المجزرة بعد أيام من احتلال الإسرائيلي للجولان في حزيران 1967م، عندما أصر أبناء قرية الدردارة (الذيابات) التي تقع في منطقة البطيحة على البقاء في بيوتهم وأرضهم، ولكن قوات الاحتلال الإسرائيلي قامت بتجميع عدد من الشبان ونفذت فيهم مجزرة جماعية على مرأى من أبناء القرية، وهو ما دفع الآخرين لمغادرتها على الفور.  والشهداء هم: - موسى أحمد شحادة - محمد محمود الذيب - محمد ذيب الأحمد - قاسم محمد شحادة - علي حميد الذيب - نايف ذيب المجبل 7- خالد ذيب الأحمد 8- سليمان عوض الفندي - حسن يوسف ذياب - محمد حسين العلي - عوض صالح هلال.
مجزرة الخشنية
تجرّعت الخشنية من وحشية العدو ما يدمي القلوب في عدوان 1967، حيث تلقت هذه القرية حسب شهادات أهل القرية العدد الكبير من القنابل التي اعتقدوها "نابالم".. ولم ينسوا إلى اليوم نيرانها التي اشتعلت بالكثير من الجيرة والأحبة مودية بحياتهم. كما نفذت الآلة الإجرامية الصهيونية مجزرة بشعة  بحق أهلها الذين رفضوا الرحيل،  ولم ترحم حتى المتخلفين عقليا، فحصدت وحشيتهم عددا من الشهداء الذين مثلت كذلك بجثثهم،  إضافة إلى من شردتهم  في  تجمعات للنازحين  ينتظرون  ككل  القرى العودة  القريبة  القريبة.  ولم تكتف آلة البطش الصهيونية  بمن  حصدت  أرواحهم، بل قامت  كذلك  بتدمير القرية  التي  بقي بعضاً من آثارها شاهدا على وحشية هذا الكيان العنصري  والغاصب، خاصة مسجد الخشنية  الذي  شهد  حجم البشاعة الإسرائيلية  في تعاملها مع الأماكن المقدسة، حيث حوله المستوطنون إلى مكان لإيواء الأبقار، بعد أن حوله المخرجون الإسرائيليون إلى مكان للتصوير الإباحي. وقد كان يقصد المسجد زواراً عربا وأجانب لرؤية الدمار الإسرائيلي الذي لحق بقرى ومدن الجولان.
ومن شهداء المجزرة: علي شيشة- أحمد قات- حقي عزيز- صبري رجب- صلاح عزيز- عائشة حاج ميرزا- عبد اللطيف توفة- علي هارون قوموق- محمد تيوفة- وصفية – ستناي زوجة هارون قوموق- فاعور القبسي- سعدوا لقبسي- خالد العرسان- محمد سعيد كبسون- محمد أبو عمشة- والمتخلف العقلي حميد.
مجزرة القنيطرة
وقعت هذه المجزرة بعد أن قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة القنيطرة بخمس قنابل زنة الواحدة منها 500 كغ، وقد استشهد إثر ذلك عدد كبير من المواطنين وجرح عدد آخر. وعرف من الشهداء المدنيين: 1- أحمد خليل زنداقي- أحمد بدري طوموق- إسماعيل محمد عيسى وبي، 4- سليمان عبد الحميد وبي- عمر نوري إبش- محمد عيسى وبي- عبد الحليم وبي.
 ورغم كل همجيتهم وقتلهم  بدم بارد للأهالي والمدنيين في كل قرية من قرى الجولان، ومع ذلك لم يتمكنوا من إجلاء من تبقى من السكان إلا بعد أكثر من ستة أشهر.
"ترانسفير" منظم...
إن الهدف المعلن من وراء هذه الاعتداءات التي كانت تحصد الفلاحين وصيادي السمك ورعاة الأبقار، إدخال الرعب إلى قلوب الجولانيين ودفعهم إلى مغادرة قراهم وأراضيهم المحاذية لفلسطين المحتلة، تمهيداً لقضمها وضمها إلى الكيان المحتل. ولقد كشفت وسائل إعلام العدو عن ما أسمته عملية "ترانسفير" منظمة لإخلاء الجولان من سكانه، لذلك كانوا يصرون على استخدام مصطلح "هضبة الجولان"، تدليلا على خلوها من السكان...
ففي تحقيق لصحيفة «هآرتس» عام 2010 في الشهر السابع، والذي أعدّه الكاتب الصهيوني "شاي فوغلمان"، وبالاستناد إلى شهادات شهود عيان ووثائق عسكرية تؤكّد أن عشرات الآلاف من المواطنين السوريين تعرّضوا لعمليات إجلاء قسري من جانب القوات الإسرائيلية بطريقة «تذكّر بما حصل مع سكان اللدّ والرملة عام 1948». يؤكد "فوغلمان" أنه، وفقاً للإحصاءات السورية التي جرت في أعقاب الحرب، بلغ عدد النازحين من الجولان نحو خمسين ألفاً، ما يعني أن عدد الذين طُردوا وهُجّروا قسراً بعد الحرب يتجاوز السبعين ألف مواطن سوري.

وعن كيفية ممارسة سياسة «الترانسفير»، يروي الكاتب أن القائد العسكري للمنطقة، العقيد "شموئيل أدمون"، أصدر في 16 حزيران 1967، أي بعد أربعة أيام على انتهاء الحرب، أمراً يعلن فيه الجولان منطقة عسكرية مغلقة يُمنع دخول أو خروج أيّ شخص منها وإليها إلّا بإذن خاص منه، تحت طائلة معاقبة من يخالفه بالسجن 5 أعوام. هكذا قُيِّدَت حركة المواطنين السوريّين، واستحال دخولهم إلى قراهم بعدما بدأ الاحتلال يعترض عودتهم، ويطلق النار ويأسر كلّ من يحاول دخول الجولان. وبحسب الكاتب نفسه، فإن وثائق الحكم العسكري عن تلك الفترة تُظهر كيف جرى اعتقال عشرات الأشخاص يومياً ممّن حاولوا العودة إلى بيوتهم. وتنفيذا لمخطط التهجير وتهويد المنطقة، بدأ الاحتلال الإسرائيلي فور إعلان وقف الحرب إلى إقامة المشاريع الاستيطانية  وبناء المستعمرات التي كان أولها "ماروم هاغولان"، وذلك لتغيير معالم الأرض بهدف منع السوريين من المطالبة  بحقهم  في الجولان  وعودة أبنائه.

في الثاني والعشرين من شهر كانون أول لعام 1980، طرحت مسألة ضم الجولان في الكنيست، وفي 14 كانون الأول لعام 1981، اقدمت حكومة العدو برئاسة "مناحيم بيغن" على اتخاذ القرار.  مستغلة  الوضع  العربي  المتردي  في ذلك الوقت،  وبخاصة زيارة "السادت" للكيان الصهيوني.  وفي مساء 14 كانون الأول من عام 1981، أصدرت حكومة  الجمهورية  العربية السورية بيانا حذرت فيه من الآثار الخطيرة التي سيخلفها قرار الضم الصهيوني.. وطالبت  بعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن كخطوة أولى لمجابهة هذا الوضع الخطير..  وفي السادس عشر من كانون الأول عام 1981، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة لمناقشة قرار الضم، كان نتيجة هذه الجلسة صدور القرار رقم (497) والذي يؤكد أن اكتساب الأراضي بالقوة أمر مرفوض وبالتالي اعتبر القرار الذي اتخذه الكيان الصهيوني بفرض قوانينه على الجولان باطلا.

الرد بحد السيف
رغم التنكيل  والترهيب  والمحاربة  بلقمة العيش، رفض أهل الجولان قرار الضم واعتبروه  باطلا،  ورفضوا  الجنسية  الـ"إسرائيلية"،  وقاوموا  القرار بلحمة  وطنية  قل نظيرها.  ففي عام 1982،  في الرابع عشر من شباط، أعلن أهل الجولان إضرابهم  المفتوح وقام  الأهل  في  الجولان  يؤازرهم إخوتهم من الضفة الغربية بمهاجمة السيارات الإٍسرائيلية، إضافة إلى المظاهرات والاعتصامات وأصدروا  بياناً جاء فيه:
بتاريخ 13/2/1982 اتخذنا قرارا بالإضراب العام والشامل، وغير المحدود. لم نتخذ هذا القرار تعسفا، ولا حبا بالإضراب، بل يجب أن يعلم القاصي والداني انه لم يكن لدينا أي خيار سوى الوقوف بصلابة في سبيل كرامتنا وأخلاقنا الوطنية غير القابلة لأي تغيير أو تبديل"...
وهكذا جاءت انتفاضة الرابع عشر من شباط عام 1982 في الجولان المحتل حلقة جديدة في سلسلة نضالات طويلة خاضها الجولانيون سلمياً  للتمسك  بالأرض من  خلال  استصلاح  كل شبر منها بغية  الوصول  الى استقلالية  اقتصادية  تمنع عنهم  كسر اليد  وتكون دعماً لهم  في مقاومة "أسرلة"  الأرض  والأبناء.  لقد تصدى أبناء الجولان لمحاولات الحكومات الاسرائيلية "أسرلتهم"، وناضلوا متحدّين الخوف والاعتقال والتعذيب وخاضوا معارك مشرّفة عندما قرروا الرد بالرفض على قانون الكنيست الإسرائيلي فرض جنسيته عليهم،  فأصدروا وثيقة العهد الوطني التي كتبها أبناء الجولان المحتل وأصبحت دستور العمل النضالي الذي سطر فيه الأهل في الجولان أروع ملاحم الانتماء الوطني، رافضين قرار الكنيست الإسرائيلي المتضمن بدء تطبيق القوانين الإسرائيلية على الجولان المحتل وفرض الهوية الإسرائيلية بالقوة على الجولانيين.

المحاولات مستمرة...
لم يهدأ العدو يوما من أجل كسب التأييد الدولي لقرار الضم غير الشرعي للجولان المحتل، مستغلا دائما الأوضاع الدولية والعربية،  فإذا "هبت رياحك فاغتنمها"..  و"نتن ياهو" يرى اليوم أن الرياح مؤاتية  لما يتمناه  ويسعى  إليه،  فثمة مشاريع  قرارات على طاولة  الكونغرس الأمريكي  لحث الإدارة الأمريكية  للموافقة على قرار الضم الإسرائيلي  للجولان المحتل..  ولكن هذه المحاولات نجزم أنها لن تتحقق نظرا لصمود هذا الشعب، وما يراكمه من انتصارات عسكرية  وسياسية  بقيادة  الرئيس  بشار الأسد ومؤازرة الحلفاء والشرفاء في المجتمع الدولي، ولما لأهل الجولان من باع في المقاومة السلمية دفع شبابه ثمنها اعتقالات وأسر.

وآخر هذه المحاولات كانت في تشرين الأول من العام الماضي، حيث كان أهلنا في الجولان على موعد جديد لتحدي الهيمنة والغطرسة الإسرائيلية، وإجراءات العدو التهويدية، حيث أكدوا بهتاف واحد “الجولان سورية ومش ناقصها هوية”، مشددين في اعتصام على أن الجولان أرض سورية وجزء لا يتجزأ منها، وسيستمرون في مقاومة كل مشاريع وقرارات سلطات الاحتلال الهادفة إلى الاستيلاء على أرضه ومقدراته ومحو هويته الوطنية. رافضين انتخابات المجالس المحلية التي حاولت حكومة العدو فرضها مجددا على أهلنا في الجولان المحتل.
 في ذكرى الإضراب الكبير الذي قاده هذا الشعب الكبير، أبناء وأحفاد سلطان باشا الأطرش، ستظل قضية الجولان قضية الدولة والشعب السوري الأولى.. فعلم التحرير الذي رفعه قائد الأمة الخالد حافظ الأسد، في 26 حزيران من عام 1974، في القنيطرة، لا يزال مرفرفا مذكرا بأمجاد حرب تشرين ومرصد جبل الشيخ  وحرب الاستنزاف التي سجل بها الجيش العربي السوري فخار الأمة وشرفها ولا يزال في حربه ضد الإرهاب الذي  ليس إلا أداة بيد المشروع ذاته منذ أن تم اختلاق فكرة "إسرائيل"، ولا زالت سورية تحارب المشروع ذاته بأدواته التي تتجدد في كل حقبة..

فرغم الفرح الكبير بالنصر الذي يتحقق ويرتسم من شرق الدنيا إلى غربها مرفرفا شموخا وعنفوانا، إلا أنه عنفوان ما أن يختلي بأحرف المجد إلا وتنساب دمعة في زوايا المحاجر وغصة في الذاكرة الأبية، ترتل في ليالي الصمود ترنيمة مجد للجولان ذاك الجرح النازف العصي على الالتئام. بل هو جرح يأبى أن يلتئم إلا وسنجار على شاطئ طبرية يسبّح باسمها أيقونة صبر ونصر، لتزغرد "البطيحة وسيل الخرفان والجويزة واليعربية وعين فيق. وتنشر بانياس غارها على جباه مجدل شمس والقنعبة  وواسط  وأم الصنابر"....
 
فهذه الانتصارات وذاك الصمود، الذي خطه شعبنا بقيادته الصابرة والحكيمة، لا بد وأن ترتد بشارة ونصراً وزغاريد فرح ينتظرها أهلنا في الجولان المحتل لتحريره من دنس الإرهاب الصهيوني الممنهج. وكما تحررت قرى البريقة وبير عجم ورفرف فوق سمائها شامخا العلم العربي السوري قريبا ستتحرر "مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة والسلوقية وعين حور والدلوة وقصرين والقصبية".

إعداد وتوثيق: هدى مطر

المراجع: المرجع في الجولان تيسير خلف ومجموعة من الباحثين

الجولان على طريق التحرير: محي الدين موسى

الجولان سجل أحداث : سانا

الجولان بين الماضي والحاضر: مصطفى انطاكي

#شارك