لا بد من التذكير، بأن الصهيونية فكر قائم على التوسع وإلغاء الآخر عبر التهجير والإبادات الجماعية والمجازر الوحشية عبر عصابات "الهاجانا" تشهد على ذلك، منذ حرب 1948 واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم. ولم يكن بخاف هذا الفكر التوسعي عن أهلنا في الجولان، الذين خاضوا مع الجيش السوري عددا من المعارك منذ 1948 إلى عام 1967. فهذه الفترة لم تكن ساكنة، بل شهدت على بطولات شعبنا وجيشنا، ومؤازرتهم لأهلنا في فلسطين المحتلة. حيث أصبح الجولان ملاذاً للثوار ومركزاً حيوياً لمدهم بالعتاد والسلاح اللازم لاستمرار الثورة ضد العدو الصهيوني. وكان الجولان
القاعدة العسكرية لانطلاق الجيوش العربية في حرب 1948. وقد أبلى سكان الجولان بلاءاً جباراً في هذه المعارك وتوحدوا مع جيشهم لحماية الثغور حيث تطوعوا باسم المقاومة الشعبية عام 1952. وفي عام 1956 كان اسمهم الحرس الوطني. خاض الحرس الوطني المعارك المشرفة مع العدو الصهيوني والتي بدأت مع إشكالية الحدود السورية الفلسطينية فترة الاحتلالين البريطاني والفرنسي للمنطقة، والتي انتجت ما يسمى بـ(المناطق المجردة) التي رسمت حدودها بعد اتفاقية الهدنة في 20 تموز 1949، وانسحب الجيش السوري بموجبها من الأراضي التي كان قد حررها من فلسطين الانتدابية وهي أراض كانت تتبع لقضاء القنيطرة حتى عام 1923. وتبدأ شمالا من بلدة بانياس إلى الجنوب حيث تشمل الساحل الشرقي لبحيرة طبرية.
معركة تل العزيزيات
شهد الجولان مواقع اشتباك كثيرة بين جنود الجيش العربي السوري والعدو الصهيوني منذ ما قبل عام 1967، ومن المواقع المهمة التي لا زال العدو ذاته يشهد بأهميتها وانكساره فيها موقعة (تل العزيزيات)، تلك الشوكة التي ظلت في حلق العدو بحكم أنه يطل على المستعمرات الـ"إسرائيلية" في الجليل (دان ودفنة و شأرياشوف)،. وقد حاولت "إسرائيل" في العام 1948 الاحتفاظ بالتل بعد أن سيطرت عليه عصابات الـ"ايتسل" الصهيونية، وبقيت في هذا التل حتى العام 1949 إلى أن استعادته كتيبة الفرسان الثانية مع كتيبة حرس الحدود التي تجاهلت اتفاق الهدنة، وقامت بقتال عنيف حتى
استرجعت التل بإشراف قائد الكتيبة جواد آنزور الذي استشهد في هذه المعركة مع 15 عشر جنديا وضابطا من الكتيبة من بينهم: علي نوح - خير الدين محمد حاج باكير- موسى اسماعيل حاج طوالبه- أسعد مالك- أحمد صالح بيسلان وممدوح فاتح دوغوظ من المنصورة. وعندما تم احتلال بانياس عام 1967 كان أو عمل هو ذهاب الصهيوني "يغالون آيال"، إلى نبع بانياس مع عدد من جنود الاحتلال ثأرا لهزيمة جنوده. وعن هذه المعركة جاء في مقالة لصحيفة "جوراليزم بوست": هكذا كان "المخربون" يدخلون من نقاط زراعية على الحدود السورية من تل العزيزيات ذلك الحصن السوري
الشهير الذي أرعبنا طيلة عشرين سنة تقريبا.
معركة تل الشمالنة
حاول العدو فرض الأمر الواقع على هذه الأراضي المجردة بقوة السلاح من خلال زرعها، مما كان يؤدي إلى اشتباكات ومعارك بين العدو الصهيوني وأهلنا في الجولان بالتعاون مع جيشنا العربي السوري الذي كان يقوم بقصف الجرارات المعادية. هذه المحاولات المتكررة من العدو وتصدي الجيش السوري لها كان نتيجتها معركة تل الشمالنة عام 1951، وقتل فيها ما يزيد عن مئة جندي ومستوطن صهيوني.
معارك 1953
بعد محاولات العدو الصهيوني لتجفيف بحيرة الحولة عام 1951 وتقدم سورية بشكوى إلى الأمم المتحدة رفضا لهذا الاعتداء، قام العدو الصهيوني بمحاولة تحويل مجرى مياه نهر الأردن عبر مشروع أمريكي مقدم من قبل الرئيس الأمريكي "آيزنهاور" والمستر "إيريك جونسون"، لتقاسم مياه النهر بين الاردن وسورية وكيان العدو. الأمر الذي رفضته الحكومة السورية ونتج عنه صدامات بين أهالي الجولان والعدو الإسرائيلي، فكان إنشاء قوات الحرس الوطني من أبناء الجولان للدفاع عنه. وبين عامي 1953 و1954، استطاع الجيش العربي السوري السيطرة على منطقة الحمة رغم محاولات " إسرائيل" المتكررة للسيطرة عليها. في هذه المرحلة ازدادت وتيرة الاشتباكات والمعارك حدة بين المخافر السورية الأمامية وأحيانا كانت تتسع المعارك لتشمل قطاعا بأكلمه.
معركة البطيحة عام 1955
في هذه المعركة قام العدو بشن غارة على البطيحة في 11 كانون الأول عام 1955 وشارك في العدوان لواء "غولاني"، وشملت الغارة مجموعة من قرى البطيحة منها، المسعدية- الكرسي- النقيب- والدوكا. في هذه الليلة اقترب زورق صهيوني مسلح من الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا، فأطلقت عليه مخافر المراقبة السورية النار، فأصيب بعض بحارته وتراجع إلى قاعدته. ولأن الإسرائيلي يمتهن الغدر، بدأ الهجوم ليلا على طبرية عبر محورين، الأول: إنزال بزوارق من البحيرة، والثاني بقوة برية انطلقت من مستعمرة "عين جيف"، وهذه القوة بحجم كتيبة من لواء «جولاني»، معززة بسرية من قوات المغاوير المدربّة على القتال الليلي، وعدد من الأدلاء المدنيين الذين يعرفون المنطقة. وكان أول عمل قامت به القوة المهاجمة هو قطع أسلاك الهاتف التي تصل المخافر الأمامية بالمخافر العليا.
لم يزد عدد المدافعين عن هذه المخافر على سرية واحدة من المشاة هي السرية الثانية من الفوج الخامس بإمرة الملازم الأول سعيد قزيز، الذي كان مقره في تل ناقص69، ويعاونه ضابط مجند هو الملازم بشير صفدي. وكان هناك سرية أخرى من الفوج نفسه، مقرها في سكوفيا بإمرة الملازم أول ممدوح قرة شوللي. وبعد أن استشهد معظم العسكريين أمام تلك القوة الكبيرة، حاول الإسرائيليون بعد استيلائهم على مخافر المراقبة الهجوم على المرتفعات ومراكز المقاومة المحيطة بالشاطئ، فركزوا نيرانهم واندفعوا بكامل قوتهم تدعمهم المصفحات للاستيلاء على أحد مراكز المقاومة الرئيسية
فدار قتال عنيف استمر ساعتين، ثم انسحب الصهاينة إثر فشلهم بالسيطرة على المخافر السورية كلها، بعد أن تكبدوا خسائر فادحة. لقد ضربت مخافر مراقبتنا بحاميتها الضئيلة أروع مثل في البطولة والتضحية، وكانت خسائرنا خمسة وعشرين شهيداً منهم ثلاثة ضباط، وثمانية وعشرين مفقوداً. بينما قامت عشر سيارات إسعاف إسرائيلية منذ الساعة الثانية عشرة حتى الرابعة صباحاً بنقل مئات الجرحى والقتلى الصهاينة من منطقة القتال إلى مستعمرة "عين جيف" الإسرائيلية.
معركة التوافيق
بعد سلسلة من الاستفزازات العدوانية، وقيام العدو بحفر قناة ري في قرية التوافيق السفلى، اندلعت الاشبتاكات وتوسعت لتشمل القطاع الجنوبي بأكمله، وأجبر العدو على التراجع عن مخططه وتدخلت الأمم المتحدة كعادتها ليتم حفر القناة. وفي ليلة 31 كاون الثاني من عام 1960، بدأ الهجوم الـ"إسرائيلي" على قرية التوافيق، بالدبابات وكتائب الهندسة والمدفعية والطيران، واستمرت المعركة طوال أربع ساعات بقوات تفوق ثلاثة أضعاف الكتيبة السورية الموجودة هناك، وانتهت بانسحاب العدو جراء ما لاقاه من شدة مقاومة الأهالي والوحدات السورية، حيث استشهد في المعركة ثلاثة جنود، بينما تكبد العدو أضعاف هذه الخسائر، فقام بقصف سكوفيا والعال وفيق وكفر حارب كانتقام لهزيمته. فردت القوات السورية بقصف المستعمرات. كما قام الطيار نقولا الخوري في اليوم التالي بإسقاط طائرة معادية حينما حاول العدو اختراق الأجواء السورية في اليوم التالي للمعركة، وتصدى له الجيش العربي السوري بطائرات الـ"ميغ 17"، واستحق الطيار نقولا الخوري وسام الجمهورية.
معركة تل النيرب
رغم أهمية معركة التوافيق وتراجع العدو فيها، إلا انه استمر بقضم أراضي المنطقة المجردة وعن طريق التصعيد المستمر وزياردة استخدام المدفعية والدروع والطيران، استطاع السيطرة على معظم المناطق المجردة، كما جفف بحيرة الحولة وسيطر بشكل شبه كامل على بحيرة طبريا، وواصل عمله في مشروع المياه القطري، الذي بدأه العدو في الخمسينات بقصد تحويل مياه الأردن إلى الجزء الشمالي من صحراء النقب. في ظل هذه الظروف اندلعت معركة تل النيرب في 16و17 آذار من عام 1962. حيث بدأت الزوارق المعادية بالاقتراب من شاطئ طبريا الشرقي في قرية الكرسي،
ففتحت القوات السورية النار عليهما ممتثلة بالأوامر العسكرية، فغرق أحد الزورقين، فقام العدو بمهاجمة تل النيرب واحتله متوجهاً إلى البطيحة بمساندة المدفعية التي قامت بقصفت الحمة.. إلا أن قوات العدو دخلت في حقل من الألغام التي زرعها الجيش السوري، محولا القوات المهاجمة إلى هدف سهل للنيران السورية، اضطرت فيه القوات المعادية إلى الانسحاب نحو تل النيرب، وفي صباح 17 آذار سحب العدو قتلاه وآلياته إلى الأراضي المحتلة. لقد كانت معركة تل النيرب من أهم المعارك المحدودة التي اشتبك فيها الجيش العربي السوري مع قوات العدو قبل عام 1967. وأجبره فيها على الانسحاب. وبقيت الاشتباكات مستمرة بين العدو الصهيوني والحرس الوطني بالتعاون مع قوات الجيش العربي السوري المتواجدة في المنطقة والمخافر الأمامية حتى عام 1967، عام الفجيعة التي حلّت بأهلنا وجولاننا في عدوان الرابع من حزيران 1967 وتم سلخ جنوب القلب السوري، من قبل برابرة القرن العشرين. ولا زال نضال أهلنا ممن تمترسوا في قراهم مستمرا إلى اليوم. ولازال أولئك الذين هجّروا قسرا من قراهم وشرّدوا من منازلهم ينتظرون العودة إلى قراهم وأرضهم في الجولان الحبيب.
إعداد وتوثيق: هدى مطر