الجولان: أهمية الموقع والاطماع الصهيونية

2019-03-31 13:04:21

إن تداخل عدد من العوامل الجيوبوليتيكة  والجغرافية والاقتصادية والعسكرية، منحت  الجولان أهمية استراتيجية جعلته يحتل مكانة هامة في سورية الطبيعية، كعقدة وصل بين مختلف أقاليمها ومدنها. فهو يقع في قلب بلاد الشام ويحتوي على منطقتين استراتيجيتين هما القطاع الشمالي الشرقي والقطاع الجنوبي الغربي مما جعله يشرف على أربع دول إقليمية وهي لبنان – فلسطين الأردن نحو إقليم مصر. بناء على ما تقدم يعتبر الجولان عقدة اتصالات ومواصلات تتوسط بلاد الشام بدليل شبكة الطرق القديمة  كما يعبره خط التابلاين القادم من شبه الجزيرة العربية مارا بـ(أم اللوقس- الجوخدار- كفر نفاخ- بانياس – مصب الزهراني). ثلاثة عوامل رئيسية منحت الجولان هذه الاهمية الاستراتيجية وهي: المرتفعات والمياه وعقدة المتوسط واليوم يضاف بند رابع وهو اكتشافات نفطية وغازية يجعلها تتفوق على الاحتياطي السعودي بعشرة أضعاف.

التلال والمرتفعات: يشرف الجولان على العديد من المرتفعات والتلال  ذات الأهمية العسكرية أهمها:

 جبل الشيخ "حرمون": وهو يلعب دوراً مهما في أنظمة المياه والمناخ والاقتصاد، إضافة إلى أهميته الاستراتيجية، إذ يمتد بمسافة تقارب الـ 45 كم. ويشرف على الجبهتين اللبنانية والسورية. من أهم قممه  شارة شرق حرمون ويبلغ اتفاعها (2154) مترا. وتطل على البحر المتوسط من الكرمل حتى صور وعلى جبل الجرمق وجبل الباروك وجبل الكنيسة في لبنان.  قمة وسط "حرمون"  ارتفاعها (2296) مترا. ومنها يمكن رصد بادية الشام وسهل حوران واللجاة وجبل العرب وغوطة دمشق. أما شارة حرمون فهي الأعلى ارتفاعا (2814)مترا. ومنها يمكن استكشاف الجنوب نحو فلسطين والشرق نحو الأردن.

من هنا تأتي أهمية جبل الشيخ العسكرية حسبما جاء على موقع وزارة الدفاع السورية،  فهو يشرف موضعياً على كافة الأراضي المحيطة به حتى الأفق. ومنه يمكن القيام بأعمال المراقبة بالنظر وبوساطة أجهزة المراقبة البصرية عشرات الكيلومترات ورصد كامل الاتجاه العملياتي لدمشق - القنيطرة، وكذلك لمناطق نوى، درعا، القنيطرة، الصنمين، قطنا، ضواحي دمشق الجنوبية. ويمكن متابعة كل تحركات القوات وتقدمها في الاتجاه العملياتي لدمشق، كما يمكن من مرتفع جبل الشيخ تصحيح نيران المدفعية وضربات الطيران. في الوقت نفسه يغطي مرتفع جبل الشيخ ما خلفه لتقدم القوات المعادية ضد المراقبة الأرضية للجانب السوري، لأن بإمكانه إخفاء تحشد تجميعات قوات العدو كلية كما يقدم مرتفع جبل الشيخ شروطاً ملائمة لحجب الرؤية الرادارية، والوصول إلى أغراضها في الأراضي السورية بصورة مفاجئة.  ومن جهة أخرى، فإن محطات الرادار والمراقبة في قمة جبل الشيخ تسمح بكشف الطائرات العربية السورية التي تطير على ارتفاعات منخفضة منذ لحظة إقلاعها من المطارات الموجودة في منطقة دمشق وجنوبها، لذلك كانت توجيهات القائد العام للجيش والقوات المسلحة تتلخص: بأن تبدأ حرب الاستنزاف ضد العدو الإسرائيلي على طول الجبهة  ولا يجوز أبداً السماح للعدو بالاستقرار والتشبث بالأراضي التي يحتلها، ويجب ضرب أي تحرك معادٍ ترصده القوات السورية بأمر من قادة التشكيلات الميدانية ودون الرجوع إلى القيادة.

التلال: يمكن اعتبار الجولان بأرض التلال، نظرا للعدد الكبير الذي يمتلكه هذا الإقليم. وهي ذات منشأ بركاني يتجاوز ارتفاع بعضها 1200 متر.  تنتشر على شكل سلاسل تتعامد مع جبل الشيخ وتتوازى مع وادي غور الأردن. ويحدد الجغرافيون خمس سلاسل اثنتان في الغرب واثنتان في الوسط وواحدة في الشرق. من أهمها: تل العزيزيات- تل المشنوق - تل الشعير  -تل المنفوخة - تل الشيحة -تلول الحمر - تل الظهور -ت ل النير- تل الفخار - تل البازوك -تل شيبان - تل سدر العروس - تل الفرس وتل أبو الندى الذي استمات العدو الصهيوني ليظل تحت سيطرته في اتفاقية فصل القوات عام 1974، كونه متحكما في منطقة القنيطرة ويبلغ ارتفاعه (1209.9) متر.

المياه في الجولان

يحتوي  الجولان على أكبر خزان مياه في المنطقة وهو حوض جبل الشيخ وفيه جريان دائم مثل نهر بانياس والأردن ورافده اليرموك ووادي الرقاد الأدنى ونبع نهر الأعوج وينابيع الحمة. وهو المتحكم في مياه الجنوب اللبناني والمياه المتدفقة نحو فلسطين والأردن ونحو قسم من غوطة دمشق.  وتنتشر على أرض الجولان العديد من الينابيع والأنهار والوديان الدائمة والموسمية.

الينابيع

لا يوجد إحصائية جغرافية دقيقة بعدد الينابيع والعيون في الجولان فالدكتور أديب باغ، في كتابه  الجولان دراسة في الجغرافية الإقليمية، يتحدث عن (45) نبعا فيما تحدث الدكتور عادل عبد السلام عن 80 نبعا تقريبا. فيما المرجع في الجولان يتحدث عن /550/  نبعا قابلة للزيادة وذلك بعد الاطلاع على ما أفادت به الدراسات الحديثة . ففي وادي (حوا) لوحده يوجد (40) نبعا منها ثلاثين دائمة الجريان.  وهناك (9) عيون بين واديي العلان والرقاد.

الحمة:  تقع  على الضفة اليمنى لنهر اليرموك، على بعد 2.5 كم، إلى الشرق من نهاية وادي اليرموك، وعلى بعد 10 كم تقريباً جنوب سوسيا (قلعة الحصن)، وشرق نهر الأردن، وجنوب غرب "فيق". في الحمة، نوعان من الينابيع في ينابيع تتدفق منها مياه حلوة نسبياً صالحة للشرب وهي: "عين السخنة" أو "عين سعد الفار"، وتقع في الجزء الشمالي الشرقي، وتبلغ نسبة الكلور في مياهها نحو (75) ملغ في الليتر، وتصل غزارتها إلى (1100) م3 في الساعة، والثانية "عين بولص" (نسبة إلى بولص الرسول)، وتقع على بعد أمتار إلى الجنوب الشرقي من بركة الجرب، وأخرى تتدفق منها مياه معدنية حارة، غير صالحة للشرب، تصب فيها مياهه وتبلغ حرارة مياه هذا النبع نحو (25) درجة مئوية، وقد توحدت مياهه مع مياه "نبع البلسم" الساخن في السنوات الأخيرة.

أما الينابيع المعدنية الساخنة: فهي ثلاث وتقع جميعها في النصف الجنوبي الغربي من المنبسط السهلي وهي، حمة الريح: نبعان في شرقي النصف الجنوبي الغربي من المنبسط السهلي، وشمال نهر اليرموك، تصل نسبة الكلور في مياههما إلى (240 ملغ ل)، وتبلغ حرارتها نحو /37/ درجة مئوية، أي إنها تعادل الحرارة الطبيعية لجسم الإنسان وتخدم مياههما قاعتين للاستحمام. و(عيــــن المقلــى): تقع إلى الغرب من حمة الريح، أقيمت عليها بركة جميلة من الحجارة البازلتية، تصل نسبة الكلور فيها إلى (540 ملغ ل)، وتبلغ حرارتها نحو (51 درجة مئوية)، وبذلك تكون الأكثر كلوراً وحرارة، وتعرف هذه العين بأسماء أخرى، هي، "حمة سليم"، "بركة الحبل"، و"حمة الشيخ". الثالثة هي عين البلسم: وتعرف بـ "حمة الجرب" وتقع في الجزء الشمالي الغربي، تفوح منها رائحة كبريتية قوية، وتبلغ حرارة مياهها نحو (42 درجة مئوية)، وتصل نسبة الكلور في مياهها إلى (300 ملغ ل)، وبذلك نجد أن هذه العين تحتل مركزاً وسطاً بين حمة الريح، وعين المقلى، من حيث الحرارة ونسبة الكلور، تحتوي مياه هذه الينابيع على مواد كبريتية، وكلورية، وصودية، إضافة إلى مواد أخرى كالرادوم المشع بمقياس صغير، والراديوم، والهيدروجين الكبريتي، وتفيد هذه المواد في معالجة أمراض عدة، كالروماتيزم والأمراض الجلدية والنسائية وأمراض الجملة العصبية».

الوديان:

تتميز الوديان في الجولان بقصرها، إلا وادي الرقاد.  كما تتميز بالانحدار حيث هناك فرق كبير بين بدايات هذه الأودية ونهاياتها. كما تتميز بعمقها في المجاري الدنيا للأودية وتتراوح بين عدة أمتار إلى عشرات الأمتار.  أخيرا شكل الأودية في الجولان يشبح الحرف /v/ . من أهم هذه الوديان : وادي الأردن ووادي اليرموك وهو يدعى في تل شهاب بوادي زيزون. وهناك وادي الرقاد. إلى جانب أودية ثانوية مثل: وادي سعار- وادي طعيم- وادي جليبينة- وادي حوا- وادي زويتينان- وادي اليعربية- وادي السمك.

نهر اليرموك: يحتل اهمية بارزة في الجولان والمناطق الاخرى، وقد زاد من اهمية هذا النهر غزارة مياهه التي تبلغ 7 متر مكعب/ثا، بعد ان يرفده عدد من المجاري والسيول الصغيرة من الاردن وسورية. ويزيد تصريف نهر اليرموك خلال فصل الشتاء عن 100م/ثا أي ما يقارب 500 مليون متر مكعب سنويا. حيث يصب جنوب بحيرة طبريا، فيرفد نهر الاردن بنحو 480 مليون متر مكعب سنويا، ويشكل 38 بالمئة من مياه النهر. الا ان هذه الكمية بدأت تتضاءل بسبب المشاريع المائية التي تقام على النهر والاتفاقات المعقودة بين الاردن وسورية لتوزيع مياهه قبل ان يصب في نهر الاردن.

نهر الأردن:  ويسمى بـ"الشريعة"  وهو ثاني أنهار بلاد الشام غزارة  بعد الفرات، وهو نهر جولاني من حيث المنشأ في سفح جبل الشيخ. كما أن حرمون يغذي ينابيعه الغزيرة والأنهار التي ترفده وهي بانياس اللدان والحاصباني. هذه الأنهار كلها والينابيع تقع ضمن سيادة الجولان إلى أن قام الاحتلال الفرنسي بتعديل الحدود ليمنح لبنان الكبير ينابيع الأردن الرئيسية. ومن ناحية أخرى فإن الرواقد الرئيسية القادمة من الجولان وحتى حوران لا سيما اليرموك كان يجلب له كمية كبيرة من المياه ويصب نهر الأردن في بحيرة طبرية.، وذلك حسب الدراسة الإقليمية للجولان التي قدمها الدكتور أديب باغ عام 1958. ويحدد في درساته روافد الضفة اليسرى بوادي العسل الذي ينشأ من حرمون جنوب شبعا، ويلتقي بنهر بانياس في بحيرة الحولة. الرافد الثاني وادي الخشبي، ينبع من حرمون ويلتقي بنهر بانياس في البلدة ذاتها. والثالث وادي السعر، ومنشأه جنوب مجدل شمس ويتجه جنوبا نحو مسعدة ليصبح اسمه واددي "كانيا" ويتابع سيره نحو الشمال الغربي ويلتقي بنهر بانياس في القرية ذاتها.

نهر بانياس:  ينبع من سفح جبل الشيخ عند منحدراتها الشمالية الغربية، ويسير بطول 1 كلم، وتبلغ غزارته نحو 2.7 متر مكعب/ ثا ثم يصب في نهر الاردن ويشكل رافدا من روافده القادمة من الجولان السوري ويغذيه بحوالي 157 مليون متر مكعب من المياه. والى جانب الانهار والاودية  يوجد في  الجولان عددا  من الانهار الصغيرة والسيول التي تجف في فصل الصيف، وتشكل روافدا لانهار اليرموك وبانياس ووادي الرقاد.

بحيرة مسعدة: هي البحيرة الوحيدة الموجودة داخل الجولان بكاملها، وتقع في شمالي المنطقة ويحيط بها "تل العمورية" من الجنوب الشرقي، و"تل المنفوخة" من الشرق، و"تل الفصول"، و"تل الخواريط" من الشمال الشرقي، ومنخفض "اليعفوري" من الشمال، وبلدة "مسعدة" من الغرب. طاقتها التخزينية نحو (3) مليون م3. وهي تقع على فوهة بركانية قديمة طولها 850 م وعرضها 350 م تقريبا. هذه المساحة جعلت الأهالي يطلقوون عليها اسم بركة "ران". وطبعا هناك اختلاافت في المصادر بطولها وعرضها، ونحن اعتمدنا ما ورد في الدراسة الإقليمية للجولان، للدكتور أديب باغ.

 

بحيرة طبرية: تقع بحيرة طبريا بين الجولان والجليل الفلسطينية، وتعتبر مياه بحيرة طبريا مياه حلوة؛ لكونها تأتي من جبال الشيخ الثلجية البيضاء، ما يؤدّي إلى تشكيل الينابيع. وتغذّي أراضي فلسطين بالمياه العذبة؛ إذ يصل عمق المياه فيها إلى 213 متراً تحت سطح البحر. وحسب الباحث عز الدين سطاس، فهي تحتل أهمية كبيرة في حياة المنطقة كونها خزان مائي طبيعي كبير في منطقة تعاني عموماً من قلة المياه وتعد مصدراً هاماً للثروة السمكية ولا سيما سمك السردين والمشط الطبراني المعروف أيضاً باسم سمك القديس بطرس، والذي يفضل العيش في الجزء الجنوبي لأنه الأدفأ. وهي بيئة جاذبة للسياحة الداخلية والخارجية على حد سواء بمعالمها الطبيعية والدينية والآثارية، حيث تقوم في محيطها مواقع لها مكانة قدسية في الموروث المسيحي مثل "بيت صيدا" و"كفر ناحوم" و"الكرسي". ومعركة الجيش العربي السوري عام 1955 على شاطئ هذه البحيرة أكبر دليل على أهميتها ومحاولات العدو المستميتة للسيطرة عليها. ويحدد أديب باغ طولها في دراسته بـ/21/كم من الشمال. و/12/كم في أكبر عرض لها. يتراوح عمقها بين /42-48/ نحو الوسط والشرق.

ولابد من المرور أيضا على بحيرة الحولة والتي كانت تعتبر هي وطبرية سوريتين من حيث الشروط الجغرافية وذلك بالنصف على الأقل. حسب دراسة أديب باغ. إلا أن الحولة بعد النكبة والتغيرات التي طرأت على خط الحدود بين فلسطين وسورية، تقع اليوم في فلسطين المحتلة بكليتها. فيما طبرية فهي سورية بضفتها الشمالية الشرقية وتحديدا القطاع الواقع بين مصب نهر الأردن "الحاصل" والنقب الغربي.

 

إن ما تقدم من أهمية موقع الجولان جعل العدو الصهيوني، قبل حتى أن يحتل فلسطين يضع ضمن مخططاته الاستيلاء على الجولان، لذلك ركز الخطاب الصهيوني على أن الجولان جزء مما يسمى "أرض إسرائيل" وسعت لاحتلال هذا الجزء وضمه،  إلى أن كان لها ما أرادت عام 1967 بعدوانها الغاشم. ولا زالت معركتنا مستمرة.

إعداد وتوثيق: هدى مطر

 

 


 

#شارك